شخصية المترجم ووظيفته

شخصية المترجم ووظيفته

لا ريب أن المترجم هو الفارس الذى يمتطى صهوة جواده ليضرب بسلاح المعرفة وسهم الثقافة وأجنحة الخبرة فى كل مجالات الحياة ، وفى شتى جوانب التخصصات، فإذا كان الطبيب يتخصص فى طبه ، والمهندس فى هندسته ، والفلاح فى أرضه ، فإن المترجم يتجاوزكل هذه التخصصات ليشملها جميعا من جهة ، ويدلى فيها بدلو الثقافة الواسعة من جهة أخرى، فالترجمة هى دائماً نافذة نحو المعرفة، وكل كتاب نترجمه يُدخِلنا إلى عالم جديد، وأفكار جديدة، ومشاعر جديدة وردود أفعال جديدة ، وكل كاتب ننقل أدبه إنما ننقل عالماً كاملاً خاصاً به فليس هناك من كتاب لا يصلح للترجمة، وهى تحديات تواجهها مكاتب الترجمة لأنَّ كل كتاب هو كتلة من التجارب لشخصياته، وتجاربُ الآخرين دائماً مفيدة ومُغنية لتجاربنا الخاصة، بل وتوفر علينا أنْ نجتاز تلك التجارب مرة أخرى. إنَّ المرء لن يعيش إلا مرة واحدة بزمن يسيرُ فى اتجاه واحد، لا يتمهّل ولا يتكرر، فى حين أنَّ أى رواية هى مجموعة من التجارب لشخصياتها، وكل منها يُغنى حياتنا الواحدة الضيقة. ما أضيق العيش من دون تجارب الآخرين! إنَّ انتقاء الكتب لترجمتها أمر ليس بالسهل، إذ كنتُ أنتقى ما أعتبره لازماً للقارئ العربى، ولكن بعد ذلك وجدتُ هذا أمراً غير معقول، لأنَّ كل كتاب يُضاف إلى المكتبة عبر الترجمة ومكاتب الترجمة هو ربح ومكسب للغة، ولذلك فإنَّ حركة الترجمة بحد ذاتها هى التى يجب المُحافظة عليها قبل كل شيء أنا أحب الكتب وأؤمن بأنها مصدر الثقافة والتنوير الأول، مهما تعددت الوسائل الإلكترونية الحديثة، وسوف تبقى كذلك. لقد تعلمنا عبر العصور ومنذ اكتشاف الأبجدية الأولى أنَّ الكلمة المكتوبة هى التى لها البقاء. الكلمة المكتوبة يمكن انتقالها ونسخها والاحتفاظ بها مادياً مدة طويلة، ثم إعادة نسخها بأشكال متعددة وبأحرف مختلفة، ويمكن حملها باليد وبالجيب. وتكلفتها هى الأرخص والأكثر حميمية من الوسائل الأخرى.

الصِلة بين المترجم والناشر

يبدو أنَّ إشكالية الصِلة بين المترجم والناشرو مكاتب الترجمة ، سوف تبقى إلى الأبد؛ فالناشر دائماً ينظر إلى الأمر من وجهة نظر تجارية فى المقام الأول، إذ أنَّ الكتاب فى النهاية هو سلعة مادية كغيرها من السلع، من حيث أنها تتألف من مواد كالورق والحبر والآلات والعمال، وهذا أمر يجب حسابه بدقّة لمعرفة ميزان الربح والخسارة. فى حين أنَّ المترجم ينظر إلى الأمر فى المقام الأول نظرة مثالية غير مادية، بوصفه صاحب رسالة تنوير ، و ينبغى أنْ يعى المترجم _ والناشر أيضاً– ما هى التيارات الفكرية والأدبية التى يحتاجها القارئ للّغة المنقول إليها الكتاب، وإنْ كانت ترجمة أى عمل هى إضافة وإغناء للفكر وللذائقة الأدبية. عند نقطة معيّنة من المسيرة المهنية، ولكن نعود فنقول إنه سوف يتلقّى أجراً عن عمله لكى يعيش، وبالتالى فإنَّ الناحية المادية لا يمكن حذفها حتما، ولا يشفع للمترجم أنه مُجيدٌ فى عمله، ومهما بلغت براعته فى الترجمة المعتمدة، فإنَّ ذلك لن ينعكس -غالباً – على مردوده المادى، لأنَّ دور النشر تتفق فيما بينها على أنْ تستغله أفضل استغلال لصالحها، دون أنْ تتكلّف إلا بدفع أقل مبلغ ممكن للمترجم. وهكذا مهما ربحت الدار من عمل المترجم فإنه لن يستفيد من ذلك، ويبقى يتلقى الأجر المُتفق عليه أصلاً ، لهذا السبب يبقى عمل الترجمة المعتمدة أشبه بالعملية الفدائية، التى يُضحى فيها المترجم الذى كرّس نفسه لعمله بحياته، دون مقابل حقيقى يُعادل جهده المبذول وإبداعه غير المُعترَف به غالباً.

مهارات المترجمين المعتمدين

وهناك أربع مهارات لا يستغنى عنها المترجم المعتمد وهى القراءة والفهم والبحث والتحليل فهو قادر غلى بحث الموضوع جيدا ثم يفهم المعانى ويغيد الصياغات ويتعامل مع التراكيب ، ويرتب الجمل وربما أضاف سنادات لفظية ليستقيم النص ، ربما تعرض لقراءات مطولة عن موضوع حتى يستطيع الكتابة فيه ، وربما قرأ شرح قصيدة بأكمله حتى يستطيع ترجمتها ، كما يتعرض لدراسة ظاهرة معينة ، وربما عايش أهلها واستمع ألفاظهم وطرائق تعبيرهم وأعرافهم فى التعبير عن الأشياء ليخرج بترجمة المعتمدة ، بل ونوعيات ألفظهم ومقاصدها ومراميها حتى يستطيع أن يترجم قصة وقعت أحداثها فى بيئتهم ، كل هذه مهارات تجعل المترجم يرقى حتى فوق المؤلف ، بل ويسمو فوق المؤرخ ، وما ذلك إلا لأنه ببساطة يجمع بين مهارات هؤلاء ويؤلف بينها فى كل واحد هو عمل الترجمة المعتمدة ، وهكذا يتعامل مع البحث فى الغوامض وسبر الأغوار وتحليل المواقف والمعطيات شأنه فى ذلكن المؤلف بل وأعلى ، وحاله فى ذلك حال المؤرخ بل وأجلى ، ولا تزيده كل هذه المهارات إلا خبرة وحنكة، ولا تضفى عليه إلا ظلالا كثيرة من الثقافة والخبرة

صفات المترجم المعتمد

ولا شك أن هناك صفات ومؤهلات يجب أن يتمتع بها المترجم الناجح وهى

الشغف الذى ينبغى أن يكون لدى المترجم بعملية بالترجمة وأن يبذل كل عناية وإخلاص فى كل مشروع من مشروعات الترجمة المعتمدة الموكلة إليه، وكذلك امتلاك مهارات الترجمة، وأيضا حب التعلم والاطلاع وهنا يجب أن يمتلك المترجم المعتمد صفة حب الاطلاع والتعلم المستمر. وكذا فلابد للمترجم الناجح من امتلاك حصيلة لغوية من المترادفات فى لغته الأم واللغة التى يترجم منها وإليها.وكذا سهولة وانسياب نصوص الترجمة، بالإضافة إلى الوضوح. ونأتى إلى جودة الترجمة المعتمدة وهى حجر الزاوية فى الحكم على المترجم. أضف إلى ذلك استخدام الموارد ومن أجل تحقيق الجودة المذكورة أعلاه ، ينبغى على المترجم الجيد أن يستخدم جميع الموارد المتاحة تحت تصرفه ، ثم نصل إلى الدقة فينبغى على المترجم الجيد نقل محتوى النص الأصلى نقلاً دقيقاً، ونختم بالأمانة فى نقل محتوى النص الأصلى.، هذا وهناك مؤهلات إضافية للمترجم المعتمد ومنها اتقان اللغتين اللتين يتعامل معهما فلا يخفى على أحدٍ أن هذا الشرط أساسى لكى يُطلق على المُترجم ترجمانًا، لكنى أحببت أن أؤكد على هذا الشرط لأن هناك الكثير يعتقد أنه بمجرد معرفة المرادفات اللغوية الصحيحة والمصطلحات الفنية فى اللغتين سيتمكن من نقل المعنى الصحيح، إلا أن هذا ليس صحيحًا على الإطلاق وإلا لكانت الترجمات الفورية أكثر نجاحًا من الترجمات البشرية، ولكن الترجمة عملية مُعقدة تستدعى أن يكون المُترجم مُتقنًا لكل من اللغتين حتى ينقل المعنى الموجود فى النص المترجم منه إلى النص الآخر بأسلوب واضح دون زيادة أو نُقصان، وبأسلوب يُمتع القارئ أو السامع ، ولا يكفى اتقان اللغة وحده بل لابد للمترجم المعتمد من ثقافة واسعة فى كل من اللغتين ومجتمعاتهما حيث تبدأ الترجمة من نص مكتوب بلغة ما، كاتب هذا النص متأثر بثقافة بيئته، وبعادات وتقاليد وأسلوب حياة يختلف تمامًا عمّا هو موجود فى الثقافات الأخرى؛ لذلك فمن مؤهلات المترجم المعتمد أن يكون على دراية وثقافة واسعة بآداب كلا اللغتين، وعلى اطلاع دائم بثقافة وآداب وفنون وقوانين وحياة أهل اللغتين، وهذه الثقافة حتمًا سُتساعد المُترجم فى فهم نية الكاتب التي يقصد إيصالها خصوصًا مع اختلاف المصطلحات والمفاهيم من دولة إلى أخرى، فينقل المعنى الصحيح وليس المعنى الحرفى.

 

أنواع الترجمات المعتمدة

وتضم الترجمات المعتمدة أنواعا ومجالات شتى يجد المترجم المعتمد نفسه ضالعا فيها دون أدنى ريب ، بل لابد أن يتوقعا جميعا من مكاتب الترجمة المعتمدة ، ولقد صنّفت الجمعية الدولية للمترجمين واللغوين العرب الترجمات العملية إلى عدة تصنيفات، هى:

  • ترجمات قانونية
  • ترجمات مالية ومصرفية
  • ترجمات سياسية
  • ترجمات أدبية وثقافية
  • ترجمات دينية إسلامية
  • ترجمات علمية
  • ترجمات تعليمية
  • ترجمات طبية
  • ترجمات تقنية وفنية
  • ترجمات اجتماعية
  • ترجمات اقتصادية
  • ترجمات عسكرية
  • ترجمات رياضية
  • ترجمات الدراسات
  • ترجمات المقالات

متطلبات مكاتب الترجمة المعتمدة

الخبرة فى مجال الترجمة

وتبحث مكاتب الترجمة المعتمدة عن المُترجم المعتمد الذى جرّب الترجمة فى هذا المجال من قبل، نتيجة هذه التجربة إما الفشل فى إيصال المعنى الصحيح وبالتالى فإن المُترجم المعتمد اكتسب مهارة جديدة من هذا الفشل الذى واجهه فلن يقع فى نفس الخطأ مرة أخرى، أو أن التجربة مرت بنجاح وهذا شيء جيد. كلما زادت سنوات خبرة المُترجم المعتمد دلّ ذلك على أن المُترجم واجه الكثير من التجارب الفاشلة منها والناجحة، وهذا معناه أن احتمالات تكرار نفس الأخطاء فى مشروعك أنت غير وارد إذا تعاملت مع مُترجم معتمد ، بينما ستجد أخطاء فى حالة التعامل مع مُترجم مبتدئ.

الإلمام بالمصطلحات العلمية

وتحتاج مكاتب الترجمة المعتمدة إلى مترجم معه مفاهيم متنوعة من علم لآخر، وقد يكون ضربًا مستحيلًا أن يُلمّ إنسانًا بكل المصطلحات فى كل العلوم، ولكن من السهل جدًا على المُترجم أن يكون ملمًا بمصطلحات ومفاهيم التخصص الخاص به؛ فمثلًا إذا كان مجال تخصص المُترجم الترجمة الطبية فإنه من الواجب عليه دراسة ومعرفة كافة المصطلحات الطبية كلما أمكن، وهكذا فى بقية المجالات. فمعرفة مصطلحات مجال الترجمة أولوية لكل مُترجم معتمد.

القدرة على استخدام المنطق

إذا لم يكن المُترجم قادرًا على استخدام المنطق فى الترجمة من خلال فهم ما يقرأ فهمًا واعيًا، لتحولت الترجمة إلى تشويهًا لفكرة النص المُترجم؛ لذلك من الضرورة أن يكون الترجمان واعيًا لما يجرى من أحداث فى العالم، عالمًا بتاريخ وحاضر المادة التى تخصص فيها ليخرج النص فى أبهى صورة، وهنا يرتقى عمله مع مكتب الترجمة المعتمد.

الإلمام بسياسات الجودة المُتبعة

التزام المُترجم المعتمد بسياسات الجودة المُتبعة فى الترجمة تُعنى أنه شخصًا ثقة وقادرًا على إنهاء العمل المطلوب منه وتسليمه لمكتب الترجمة المعتمد بالجودة المطلوبة على أن يكون الإنجاز سريعًا، وأن يكون قادرًا على تنسيق وصياغة الأعمال المترجمة بشكل مناسب تمامًا للرسالة المراد توجيهها، فتنسيق وصياغة الترجمات القانونية له طابعه الخاص المُختلف عن الترجمات الأدبية، … الخ.

فاختيارك لمُترجم معتمد تجتمع فيه الصفات والمؤهلات السابقة هو فرصة عظيمة لإنهاء عملك بالجودة المطلوبة، وللوقوف على أحقية مُترجم عن آخر هناك وسيلتان مُتبعتان للقيام بذلك وهما معرض الأعمال والتجربة العملية لنص صغير؛ لذلك من المُفضل عند تقديم مشروعك عبر منصة مستقل أن تضع نص وتطلب من المُتقدمين ترجمة هذا النص لتقف على أكثرهم دقة وتتابع معهم بقية الصفات المطلوبة فى محادثة العمل .

فوائد يجنيها المترجم المعتمد

العمل المتنوع المرغوب

واحدة من كبريات الفوائد من كونك مترجما معتمدا تتمثل فى أن وظيفة تناسب العقول الدائمة البحث عن كل جديد، طبيعة الوظيفة تعنى أنك تغطى مجالا واسعا من المواضيع وتواجه كثيرا من التحديات مع كل مشروع ترجمة معتمدة. يجب أيضا أن يتوفر لديك حصيلة من الكلمات ومهارات لغوية عامة يتم تحديثها باستمرار.

 العمل المستقل

هناك إجابة لسؤال لماذا تصبح مترجما معتمدا؟ تعتبر الترجمة المعتمدة مهمة فى إتاحة الفرص لأولئك الراغبين فى العمل بشكل مستقل، حيث توفر فرصة لبناء مستقبل ثابت وأيضا فإن الطبيعة العالمية لهذه الوظيفة وهى الترجمة تعنى أنك تقوم بتأسيس تواصل وصلات عبر العالم.

ينال المترجمون غالبا أعلى الرواتب

فى عصر العولمة، واتساع انتشار اللغة الانجليزية، يمكن أن تسأل نفسك لماذا اخترت الترجمة كأسلوب حياة ، وخاصة فى عصر يسوده تقنية الترجمة الآلية. الجواب على ذلك يتمثل فى أن المهارات مطلوبة للمستوى العالى من الترجمة ، وهذه هى الحقيقة حول اللغات التى يسودها الغموض مثل لغة الماندرين- اللغة الصينية وشعوب أخرى اللذين لهم دور فى التجارة العالمية وفى حال امتلاك المترجم المعتمد لمهارات فى تلك اللغات يمكن توقع حصوله على تعويض كبير عن أعمال الترجمة ربما من مكاتب الترجمة أو غيرها من وإلى هذه اللغات.

فرص ممتازة للتقدم المهني

لماذا يصبح الفرد مترجما؟ الجواب هنا يتمثل فى طموح الفرد، حيث إن الترجمة تعتبر حقلا واسعا وفى حال امتلاك الشخص موهبة وجاهزية فى العمل فى مكاتب الترجمة، فإن ما يمكن أن تحققه ليس له حدود. لذا، إذا كان لديك رغبة باللغات، وترغب فى تحقيق مستقبل ناجح، فإن المنافع الكثيرة التى وراء عملية الترجمة تدفعك إلى سلوك هذا المجال بشكل واسع.

نصائح للمترجم المعتمد

الإيجابية فسيكون هناك أوضاع ومشاكل مقلقة يمكن أن تحصل، يجب النظر الى العناصر الايجابية اثناء العمل ولكن ابدأ بحب عملك وباشر به بشكل ايجابى

معرفة المجال الذي يحقق لك التفوق فمعرفة المجال الممكن أن يحقق لك التفوق يعتبر امرا مهما سواء كنت ضمن فريق عمل أو تعمل فى البيت أو فى مكتب. العثور على وظيفة تحبها هى افضل من يمكن أن يحثك على السير قدما حيث أنك تقوم بعمل أشياء تجعلك تشعر بالسعادة

التأكد مما تريده كمترجم معتمد فلابد أن تفكر ماذا تريد من وظيفتك، وماذا تأمل أن تكمل، فإذا كنت تعرف ماذا تريد فسوف يعمل ذلك على توفير الجهد والوقت فى مجال عملك.

المترجم المعتمد دائم التعلم يجب أن لا تتوقف عن تعلم الأشياء الجديدة أثناء العمل وقبل العمل. فالتعليم هو أفضل السبل لبناء مستقبلك. تعلم الكثير عن الأشياء التى تقوم بإنجازها.

تعليم الآخرين مما تعلم فيجب أن تشارك الآخرين فى المعرفة والعلم وقم بتهيئة الفرص لهم وعلمهم بما تعلم، حيث إنه يجب عليهم عدم السعى للمساعدة طوال الوقت، حيث يقول المثل امنح الرجل سمكة وسوف تكفى لإطعامه لكامل اليوم، علمه كيف يصيد السمك والأمور التي تحيط بها.

تجربتى مع مكاتب الترجمة المعتمدة

بعد تعلّم اللغة بدأتُ أكتشف حقائق صادمة. كنتُ أقرأ كتاباً مترجماً فأجد أسلوبه صعباً ومبهماً وبعيداً عن السلاسة، وأتساءل تُرى هل الكتاب الأصلى صعبٌ هكذا أم أنَّ هناك شيئاً ضاع فى الترجمة – وفى الجامعة اكتشفت السبب اليقينى: السرّ كله يكمن فى الترجمة، ففى حين أنَّ همنجواى كان فى أسلوبه رقراقاً، وممتعاً، وسلساً، لم تكن ترجمته إلى العربية ترقى أبداً إلى أسلوبه وضاع أفضل ما فيه بين ركاكة الأسلوب ، وانخفاض ثقافة المترجم وتدنيه فى اللغة العربية ، وهذه الأخيرة من أكثر ما يثيرنى ليس فقط فى الكتب المترجمة بل فى جميع الكتب، وهذا مما تعتنى به مكاتب الترجمة المعتمدة .

من هنا بدأت التفكير فى محاولة المساهمة فى وضع الأمور فى نِصابها، وإعادة الاعتبار إلى الترجمة وإلى اللغة العربية وسلاستها. إذ ينبغي ألا تقلّ الترجمة المعتمدة العربية فى مستواها عن النص الأصلى، وعلى المترجم المعتمد أنْ يضع نُصب عينيه طوال الوقت المُحافظة على ذلك المستوى قدر استطاعته ، خاصة مع مطالعتى لروايات جان أوستين وهنرى فيلدنج ودانييل ديفو ولورانس سترن وغيرهم .

كانت محاولاتى الأولى مترددة وغير واثقة ومتمهلة. كنتُ أختبرُ ثقتى فى نفسى وصبرى ومقدرتى على تحمل الصعاب والاستمرار. استغرق ذلك منى وقتاً طويلاً، مع المحاولة، وكنت أترك الترجمة أحيانا وأضعى قصائد بالإنجليزية، دون أن أنوى تصديرها لمكاتب ترجمة وعند نقطة ما كان لا بدَّ لى أنْ أقرر إنْ كنتُ سأواصلُ المشوار أم ألتفتُ إلى مجال آخر. كان القرار صعباً، ولكن ما سهّل الأمر علىّ أننى قررتُ أنْ أكون صادقاً مع نفسى رغم كل شيء. لا شك فى أنَّ انتقاء الترجمة المعتمدة لتكون مصدراً لكسب الرزق شيءٌ جنونى، فالجميع يعلمون أنَّ هذا العمل الراقى لا يدر ربحاً يُذكَر، وأنَّ اختياره ليكون عملاً دائماً هو عملية فدائية، ولا يمكن أنْ يسير فيه إلا أصحاب المبادئ والرسائل الأدبية وبمبادرة شخصية جداً. إنها مسؤولية ليس من السهل قبول شروط تحمّلها. ومع كل عمل جديد أبدأ بترجمته، أشعرُ كأننى أترجم للمرة الأولى، فكل عمل مغامرةٌ جديدة، خاصةً عندما يختلف فى أسلوبه عن سابقه، ولكل عمل مفرداته، وكذلك كل كاتب.

الترجمة المعتمدة مهنة

لماذا اخترتُ الترجمة مهنة لى؟ لأننى أحبّ أنْ أتحكم فى عملى من ألفه إلى يائه؛ لا أستطيعُ أنْ أعمل تحت إمرة أحد، أو أنْ أتعاون مع أحد، بغض النظر عن فائدة ذلك التعاون؛ لا أضع ثقتى إلا فى العمل الذى خرج من تحت يدى، وتشكّلَ من عملى الحر. فالترجمة المعتمدة توفر هذه العناصر، والترجمة المعتمدة هى عملك وحدك ويعكس موهبتك، وأحياناً قد يعكس جزءًا من شخصيتك، وكذلك الأمر مع المواضيع التى أنتقيها قدر الإمكان، وحسب توفر الأعمال. إنَّ نقل الأعمال من لغة إلى لغة هو عمل راقٍ ونبيل وسام، لأنه تطوير للغة نفسها وللمفاهيم ولوجهات النظر، وفى الوقت نفسه هو دراسةٌ للغة الأخرى ومعرفةٌ لسراديبها وإضاءةٌ للّغة المنقولِ إليها النص.وهذا ما تراجعه مكاتب الترجمة المعتمدة لدى تدريب المترجمين مع إرسال عينات الاختبارعلى طريق بلوغ فن الترجمة المعتمدة.

 

error: Content is protected !!
Scroll to Top