لقد أضحى واضحا لكل ذى لب حصيف أن الترجمة
هى اللغة التى يتفاهم بها العالم ، كل العالم ، فسبحان من علم آدم الأسماء كلها ،ليتفوق بعلمها على الملائكة ، وسبحان من فهم سليمان لغة الطير، ليغزو بها العالم ويملكة بها ناصية الأرض . إن عملية الترجمة ليست شيئا بسيط أو ظاهرة ساذجة أو فقاعة لفظية لا تحوى أكثر من هواء يتناثر فى الأرجاء، لكنها عملية معقدة بالغة التعقيد ،ومعادلة كثيرة الأطراف ، وشجرة مترامية الأغصان ومتشابكة الفروع ، وهى مع كل هذا التعقيد ، وكل هذا التشابك عذاب عذب وغرام ممتع وعناء رائع جذاب ، فأنت كلما ترجمت ارتقيت وكلما أخطأت تعلمت وكلما تعثرت تحنكت ، تبكى أحيانا والبكاء جميل ، وتضحك أحيانا والضحك رائع ، تتردد بين خيانة النص ودفءالمعنى ، وتصير بجناحى اللغة والثقافة فى أرجاء لا نهاية لها ، وتتعامل مع ايديولوجيات لا تنتهى ، لتضرب بمعول المترجم فى كل الأفاق ضربات نوعية تعكس شخصك وتظهر ثقافتك وتدافع بها عن فلسفتك التى تؤمن بها ، لذا كان لزاما علينا فى هذه المقالة أن نعرض لهذه الظاهرة العملاقة الت لا تكفيها الصفحات ولا تستوعبها السطور لكنها بصمة الطفل ، وجهد المقل ، فما هى اشكاليات هذه الظاهرة ؟ وما هى أخطاء النصوص؟ هذا ما نعرض له باختصار فيما يلى من سطور.
يعتقد العديد من الوافدين الجدد إلى حقل ترجمة خطأ أنه ليس هناك علم دقيق، ويفترضون خطأ وجود ارتباط راسخ بين الكلمات والعبارات في لغات مختلفة والتي تجعل الترجمات ثابتة، مما يسبب اشكاليات تنعكس آثارها على مدارسنا فى مصر ، حيث يصم التلميذ صما ويحفظ عن ظهر قلب حتى فى المرحلة الإعدادية حتى تفأجه تقليعات الثانوية العامة وتحيره تعقيداتها وتتعبه تفصيلاتها المملة حتى تنقلب المتعة إلى معاناة والشغف إلى كآبة وملل أمام هذا الكم الهائل من الترجمات للكلمة الواحدة و هذا التنوع الكبير للنصوص تحت عبارة معينة ، ويظهر ما نسميه الترميز (cryptography) في هذا السياق، حيث يفترض الكثيرين بأن كل ما يحتاج إليه المرء لترجمة قطعة معينة هو النقل بين اللغات باستخدام قاموس ثنائي اللغة مثل إلياس الجيب فمن الكلمة إلى (معناها) التى يطلقونها بمعنى ترجمتها ، وهو ما كنا نتحدى بعضنا فيه فى قسم اللغة الانجليزية بكلية التربية بالفيوم فى تسعينات القرن الماضى حيث كنت ضالعا فى لوبى طلابى مجنون بصم قاموس الياس حتى كنا نجلس متقابلين عند حافة البنشات المتقابلة فلا نسمح لأى طالب يمر حتى يترجم اى كلمة عشوائية نختارها له ، حتى لقد كنا نفعل ذلك بيننا فنمسك بالمعجم ونتحدى بعضنا فى كل كلمة ، حتى كشفة العداد أو غطاء الكشفة (abacus)الذى يظهر فى صدر كلمات الياس وكنا نرى أن الأمر سينتهى عند هذا الحد لنكون مترجمى المستقبل العمالقة ، بمجرد فقط أن توجد هذه العلاقة الثابتة إذا ما تم تكوين لغة جديدة ويتم مزامنتها باستمرار جنبا إلى جنب مع لغة موجودة بطريقة تجعل كل كلمة تحمل بالضبط نفس نطاق وظلال المعنى مثل الكلمة في اللغة الأصلية فهذا من الاشكاليات ، مع الحرص على الاهتمام والمحافظة على الجذور الاشتقاقية، على افتراض أنها معروفة على وجه اليقين طبعا. بالإضافة إلى ذلك، إذا كانت اللغة الجديدة ستكون لها حياة خاصة بها بغض النظر عن مثل هذا الاستخدام للتشفير الصارم، فإن كل كلمة ستبدأ بأخذ ظلال جديدة من المعنى وتتخلى عن ظلال الارتباطات السابقة، مما يجعل من أي تزامن اصطناعي مثل هذا مستحيلا. وعلى هذا النحو، فإن الترجمة من ذلك الحين فصاعدا سنتطلب التخصصات الموضحة في هذا المقال. ويكفي أن نقول، في حين يسعى المترجمين إلى التكافؤ، فإن ذلك يتطلب أساليب أقل صرامة و تحليلية أكثر للوصول إلى ترجمة حقيقية، وهذه فى حد ذاتها معضلة إذ إنهم فى طريقهم إلى ذلك ستصيبهم كثير من الأشواك وتواجههم كثير من الصعوبات التى فى الحقيقة هى موضوع هذا المقال
وقبل أن نتطرق إلى هذه المشاكل فتعالوا نتأمل شيئا عن طبيعة الترجمة من خلال هذا الجدل الذى يثيره هذا التساؤل حول ما إذا كانت الترجمة فنا أو حرفة. يجادل المترجمين الأدبيين بشكل مقنع أن الترجمة فن، على الرغم من أنهم يعترفون بأنها قابلة للتعليم. المترجمين الآخرين، معظمهم من المهنيين العاملين في التقنية، والأعمال التجارية، أو بالوثائق القانونية، يقومون بمهمتهم كحرفة يمكن تدريسها فقط، ولكنها تخضع للتحليل اللغوي وتستفيد من الدراسة الأكاديمية. معظم المترجمين يتفقون على أن الحقيقة تكمن في مكان ما بين النص وتعتمد عليه. يمكن أن تترجم وثيقة بسيطة بسرعة ، كتيب لمنتج ما مثلا، باستخدام تقنيات بسيطة مألوفة لدى طلاب اللغة المتقدمين. على النقيض من ذلك، ستتطلب ترجمة افتتاحية صحيفة، نص خطاب سياسي، أو كتاب عن أي موضوع تقريبا ليس فقط حرفة المهارات اللغوية الجيدة وأسلوب البحث ولكن أيضا فن الكتابة الجيدة، والحساسية الثقافية، والاتصالات.
أشكاليات الترجمة
تعد عملية الترجمة بطبيعتها نشاطا صعبا وهو ما جعل صاحب هذا المكتب على سبيل المثال يبعث إلى باعتبارى أح المترجمين لديه ملفات كاملا بصيغة إكسل بما يدعى ب(مكاتب الترجمة المعتمدة) وما ذلك إلا لعلمه الراسخ بما يمكن أن يواجهه المترجمون من مشاكل الترجمة الإضافية التي تجعل من العملية أكثر صعوبة، مثل مشاكل الترجمة في النص المصدر
أشكاليات مرتبطة بالنص المصدر
- النص يحتوي على أخطاء إملائية أو مطبعية
- النص غير المقروء أو المبهم أو الصورة أو التوقيع وخلافه.
- النص غير المكتمل ، مما يوقع المترجم فى إشكاليات.
- النص المكتوب بطريقة سيئة مما يجعل المترجم يحجم عن ترجمته
- مراجع مفقودة في النص إذ كيف سيقوم المترجم بترجمة التعليق على صور لايراها؟
- ربما يحتوي النص المصدر على ترجمة لاقتباس تم القيام بها أصلا في اللغة الهدف، والنص الأصلي غير متوفر، مما يجعل الاقتباس كلمة بكلمة مستحيل تقريبا.
- أخطاء واضحة في النص المصدر (على سبيل المثال “آثار بوذية في عصور ما قبل التاريخ”، عندما لم تكن البوذية قد تأسست خلال عصور ما قبل التاريخ)
- التغييرات التي أدخلت على النص أثناء عملية الترجمة
- طرائف جوجل (Translate) التى تذهلك لدرجة ربما تجعلك هاويا لأن تصنف فيها
مؤلفا خاصا ومن هذه الطرائف مثلا ما أضحكنى منذ يومين عندما سألته عن ترجمة (المنهج التوليدى) فأفتانى بأنها (obstetric Method) (يعنى واحدة ست هتولد وهنشوف بقة هنولدها ازاى؟) وهذا من إشكاليات الترجمة.
أشكايات مرتبطة باللغة
هناك بعض مشاكل الترجمة اللغوية التي قد يواجهها المترجمون أثناء عملية الترجمة نذكر منها
- مصطلحات اللهجة وكلماتها الجديدة ، فالشارع الأمريكى لا يكف عن اختراع الجديد
- الاختصارات والمختصرات غير الموضحة فى النصوص ، وكذا الاحتصارات الكثيرة المتطابقة.
- اللغة الغامضة ، فكثير من الكتاب تستهويه كل لغة لا يفهمها العامة على أنها رقى فكرى
- القوافي، التورية والمقاييس الشعرية، مما يعكس صعوبة بالغة فى الترجمة.
- المراجع الثقافية شديدة التحديد مما يدخلل المترجم فى قصص أخرى غير الترجمة
- خصائص خفية ولكنها مهمة في اللغة مثل رخامة الصوت أو التنافرومشكلات النبر
أشكاليات عدم القابلية للترجمة
ودعونا هنا تناقش مسألة ما إذا كانت كلمات محددة غير قابلة للترجمة، حيث أخذت تظهر قوائم عبارات “غير قابلة للترجمة” امن وقت لآخر. غالبا ما تشمل هذه القوائم كلمات مثل الكلمات الكثيرة التى ظهرت فى المجتمع المصرى مع الضغوط أو المناسبات أو التقليعات الشبابية وما يعرف ب(الروشنة) بل وربما تتجول فى شوارع المحافظات أو المدن لتسمع أصواتا وصياحات لألفظ غريبة مثل بوم بوم بوم أو أيوه بتشديد بالياء وغيرها الكثير فاذا طرنا إلى الدول الأخرى واجهنا لفظة مثل “saudade ”، وهي كلمة برتغالية كمثال ل”غير قابل للترجمة”. ومع ذلك يمكن ترجمتها بدقة جدا “الشوق محزن”، ولكن لديها بعض الفروق الدقيقة التي يصعب أن تدرج في الترجمة. على سبيل المثال، تعتبر مفهوم ذا قيمة إيجابية، وهي دقة ليست واضحة في هذه الترجمة الأساسية.أليس ذلك أيضا من إشكاليات الترجمة ؟
ومن الظواهر الأخرى فى هذا المجال صعوبة ترجمة بعض الكلمات والنصوص إلا إذا رغب المرء في البقاء في نفس الفئة النحوية فمن الصعب ، على سبيل المثال، أن تجد اسما مقابلة للاسم الروسي “почемучка” (pochemuchka) أو اليديشية ” שלימזל ” (shlimazl)، ولكن الصفات العربية “فضولي” و “منحوس” والصفات الانجليزية “inquisitive” و”jinxed” تتوافقان معهماعلى ما يرام.
ويبدوالصحفيون متحمسين طبيعيا عندما يوثق اللغويون عبارة غامضة بنكهة محلية،وهذه صعوبة متعلقة بالنصوص وقد تعودوا أن يعلنوها “لا يمكن ترجمتها”، مع أن ترجمة هذه المصطلحات المحملة بالثقافة بشكل لا يصدق هى في الواقع أسهل من الكل، بل وحتى أسهل من المفاهيم العالمية مثل “الأم ” (mother). هذا لأن الممارسة القياسية هي ترجمة هذه الكلمات بنفس الكلمة في اللغة الأخرى، واقتراضها في المرة الأولى إذا لزم الأمر. ومن الإشكاليات فإن الترجمة العربية لكلمة “computer” الإنجليزية هي “كمبيوتر”، على الرغم من أنه يمكن ترجمتها إلى “حاسوب” التي تعتبر وصفا جيدا، ولكن بدلا من ذلك، تتم ترجمتها إلى “كمبيوتر” وهي ترجمة مقبولة و في بعض الحالات، يكون المطلوب هو النسخ فقط: يتم ترجمة 山葵 اليابانية إلى العربية “الوسابي”. غالبا ما يكون الوصف القصير أو المتوازي مع مفهوم مألوف مقبول أيضا: يمكن أيضا أن تترجم わ さ びبـ “الفجل الياباني” أو “الخردل اليابانية”.
فكلما كان المصطلح أكثر غموضا وخاصا بثقافة معينة ، كلما كانت ترجمته أسهل. ومن الإشكاليات مثلا اسم تسوية تافهة مثل Euroa في أستراليا هو تلقائيا “Euroa” فقط في كل لغة في العالم تستخدم الأبجدية الرومانية، بينما يحتاج المرء لبعض المعرفة ليكون على علم بأن سرقسطة هي Zaragoza ، Saragosse، وما إلى ذلك، أو ان الصين هي 中国، Cina ، Chine ، إلى آخره من الإشكاليات ، والصعوبات التى تخص الترجمة.
وفى مقال آخر ربما نفصل لصعوبات أغرب فهل يتوقعها القارئ ؟