ترجمة كتب الأطفال

ترجمة كتب الأطفال

تُمثِّل الترجمة للناشرين غير التجاريين محاولةً جادَّة وصادقة لإثراء مكتبة الطفل العربي بكُتب متميِّزة، وفي حالات كثيرة لا مثيلَ لها باللغة العربيَّة؛ مما يقودنا إلى ماذا يجب أن يترجَم؟ وكيف يجب أن تتمَّ عمليَّات الاختيار؟ وما التحدِّيات التي تواجه المترجِم والناشر في ترجمة كُتب الأطفال؟                                       في ظلِّ غياب منظمة عربية تُعنى بثقافة الطفل العربي، مُنبثقة من جامعة الدول العربية، نجد أن جهود الترجمة لكتب الأطفال لا تتمُّ وَفْق معايير مُوحَّدة، ولتحقيق غايات مُتَّفق عليها عربيًّا، بل هي جهود متفاوتة ومتباينة الأهداف؛ ما بين أهداف تجارية، وأهداف إثرائيَّة ثقافية، وكنتُ أتمنَّى تضافُر الجهود؛ لترجمة الكتب الفائزة بجوائز عالَميَّة، وترجمة الكتب المتميزة المنشورة بغير الإنجليزية والفرنسية والألمانية، والتي يَغلب الترجمة عنها في العالم العربي

 

قصص الأطفال بين خيانة المترجم وغياب القيم

الصدمة الاولى التي قابلتنا كانت في منظومة القيم التي بيننا وبين الاخر الغربي، فلقد ترجمت الى اطفالنا قصص تمجد من قيمة العنف وتعلي من شأنه، بل الادهى من ذلك ان بعضا من تلك القصص المترجمة جعلت من موت الاخر سبيلا للانتصار ووسيلة للبهجة، في حين عمدت قصص اخرى الى ازدراء الاخر المختلف، سواء باللون او العرق او الدين. ثم جاءت موجة اخرى من الترجمات، تحولت في اغلبها الى مسلسلات كارتونية للاطفال، وهي تستند في رؤيتها الى منظومة القيم الشيوعية، وخاصة تلك التي نُقلت لنا من الروسية، فكان للمطر شخص يختص بنزوله وقتما يشاء، واخر مختص بشأن الريح وثالث مختص بشأن الثلج وهكذا.  لقد اضطرت منظومة القيم المختلفة المترجمين في كثير من الاحيان الى ممارسة نوع من الرقابة الذاتية على ما يترجمون، مما أفقد القصص العديد من القيم الجمالية بعد اعادة صياغتها لتتلاءم مع واقعنا العربي.

وإذا كان المترجم، كما يقول المثل الايطالي، خائنا، فلعله مارس دورا أكثر خيانة في ترجمة قصص الاطفال من اللغات غير العربية الى العربية، واوقع نفسه في اشكالية الازدواجية بين ما يريد هو ان يبثه بين الاطفال العرب وبين ما ينقله من قيم من ثقافات أخرى.

 

كنوز مَخفيَّة عن الطفل العربي

هناك كنوز مَخفيَّة عن الطفل العربي في العالم؛ سواء شرقه، أو غربه، تصدر بلغات لسنا مُنفتحين عليها، وبالإمكان أن تمثِّلَ إثراءً كبيرًا لكتب الأطفال العربيَّة، وتَوْسِعَةً لأُفق الكاتب العربي لكتب الأطفال والرَّسام كذلك؛ حيث تمثِّل هذه الكتب توجُّهات غير توجُّهات الكُتَّاب باللغات السالف ذِكرُها، وفي غياب هذه المؤسَّسة أو المنظَّمة العربية لثقافة الطفل العربي، لا يتمُّ عمل دراسات تقدِّم للناشرين احتياجَ المكتبة العربية لكتب الأطفال، فكلُّ ناشر يَجتهد كما يرى من منظاره الشخصي الاحتياج، واختياراته للترجمة ليستْ قائمة على دراسات وإحصاءات؛ لأن هذه الدراسات والإحصاءات غير موجودة لغياب المؤسَّسة التي تقوم بها، كما أنَّ هذا الغياب حرَم المبدع العربي من ترجمة كتبه للغات الأخرى، من خلال تعريف الآخر بالإنتاج العربي، ونجد أنَّ حركة الترجمة من العربية للغات الأخرى في مجال كتب الأطفال، قد تكون مُنعدمة، بل إننا نجد أنَّ قَصص التراث العربي – كقَصص “جحا، وعلي بابا” – تتمُّ كتابتها بلغات أخرى، ورَسْمها بشكل بديعٍ، ثم ترجمتها للغة العربية، مثل: “كتاب جحا وأبوه والحمار”، والمترجَم عن الفرنسيَّة، والذي يمتاز برسومه البديعة، ولُغته الجميلة المليئة بالفُكاهة، وكذلك قصة “مصطفى ولغز المدينة”، والذي يدور فى أحد شوارع مدينة “فاس”.

شروط للمترجم الذي يتصدى للترجمة للطفل

– ثلاثة أركان يجب وينبغي أن تتوافر: أولها اختيار روائع الرواية في الأدب العالمي، وثانيها أمانة النقل في حرص شديد، وثالثها رفعة العبارة العربية أو جودتها على أقل تقدير، بحيث تدخل الترجمة في إطار الأدب، كما دخل النص في إطار الأدب بلغته الأصلية.

بهذا وحده يمكن للروائي العربي الناشئ أن يتعلم شيئاً كثيراً عن فن الرواية من دون إحاطة باللغات الأجنبية، فنحن بحاجة إلى تجديد التقاليد الأدبية التي أرساها في الترجمة العربية أحمد حسن الزيات، وأحمد الصاوي محمد. إن محمد حسنين هيكل، وتوفيق الحكيم، وطه حسين لم يكونوا بحاجة إلى “نماذج” من الرواية مترجمة إلى العربية، لأن طريقهم إلى الأصول كان طريقاً مفتوحاً نتيجة إتقانهم اللغات الأخرى.

أما الأجيال الجديدة من الأدباء الشبان الذين لم يتح لهم علم هيكل، وطه حسين فقد كانوا بحاجة حقيقية إلى هذه الترجمات، إن لم يكن لحسن الإنشاء فلحسن التذوق، على حد تعبير د . لويس عوض. نحن الآن في حاجة ماسة لاختيار روائع أدب الأطفال في الأدب العالمي لترجمتها إلى اللغة العربية. وهو ما بدأ فيه باهتمام كبير المركز القومي للترجمة التابع لوزارة الثقافة، وإن أعاقته حالياً الإمكانات المالية .

هل تحتاج الترجمة لأدب الطفل إلى قدرات خاصة؟

– بالتأكيد، لكن المرحلة العمرية هي التي تحدد هذه القدرات، بمعنى أن المراحل الأولى يكون شكل الترجمة لها أبسط، ويحتاج إلى مفردات سهلة تكون قريبة من ذائقة الطفل، ففي المرحلة الأولى لا بد من ترجمة كلمات للتعريف باللغة وأشكال الحروف، حيث يتعرف الطفل إلى مفردات الحياة اليومية التي يراها.

والتدرج مطلوب في عملية الترجمة، فطفل المرحلة الابتدائية يكون عنده تطلع للأشياء خاصة “البعد الخيالي” وعلى الرغم من توافر الكتب المؤلفة لطفل هذه المرحلة بلغته الأصلية إلا أن تلاقي الثقافات سوف يثري، ولا شك آفاق الطفل ويجعله منفتحاً على العالم مدركاً لأهمية التعددية الفكرية والفوارق الحضارية والاجتماعية بين الشعوب، حتى إن لم يع ذلك بصورة مباشرة، وأنا ضد ما يقوله البعض من أن “الانفتاح على الغرب من دون ضوابط وتقديم الكتب الأجنبية إلى الطفل في سن مبكرة هو وسيلة لهدم أبنائنا، وطمس للهوية الثقافية للطفل وضرب للمجتمع، وتغريب للطفل عن هذا المجتمع، وتصحيح هذه العملية أشبه باستيراد ثقافات أخرى يقتات عليها الطفل، فيخرج متنكراً لمجتمعه رافضاً له، يعيش بروحه ووجدانه في ثقافات أخرى، فيدمر نفسه ومجتمعه” .

صحيح أن الضوابط مطلوبة لكن الحل في إثراء مكتبتنا بمؤلفات قومية وبكتب مدروسة ومنهجية تنمي لدى الطفل روح الانتماء، فحجب هذه الثقافات ليس بحل، ولن يصبح هذا ممكناً بعد حين في ظل التوجهات العالمية.

 

خاتمة المقال

وفى الختام فإننا نود أن نؤكد على أنه تُواجه الناشر والمترجِم تحدِّيات عدَّة حين الترجمة، فأوَّلها: اختيار النص؛ فالإنتاج الغزير في العالم الغربي يجعل الناشر محتارًا حيالَ الخيارات الكثيرة، ونجد أن الناشرين يركِّزون على القَصص المصوَّرة والكتب والموسوعات العلميَّة، وكتب المفاهيم للصِّغار؛ حيث إنَّ هذه أكثر الكتب رواجًا، ولا تمثِّل أيَّ إشكالات ثقافيَّة، فالقَصص المصوَّرة تَدور في عالم الطفولة المتوسطة وحول اهتمام الأطفال؛ من مشاكل المدرسة والخوف من الظلام، وعدم الرغبة في النوم، وغيره من المواضيع المشتركة بين جميع أطفال العالم، وكذلك الكتب والموسوعات العلميَّة التي تحوي معلومات تمثِّل حقائق، ولا تحمل رأى أو ثقافة مجتمع محدَّدٍ، بينما لا تَحظى كتب الناشئة – وخصوصًا الروايات – بنفس الاهتمام؛ لِما تمثِّله من تحدِّيات ثقافية، فهي تدور في عالم المراهقين الذي يَمتلئ بتحدِّي سلطة الأبوين، ومشاكل البلوغ، ورغبة المراهق في إثبات وجوده، من خلال تجربة المحظور، وهنا يلعب الناشر دور الرقيب على نفسه، فهو لا يريد الاصطدام بـ “التابو” الاجتماعي غير المكتوب، ولا بالمؤسَّسات الدينيَّة؛ لذا يتجنَّب روايات الناشئة، ويتَّجه نحو الخيارات الأسلم من القَصص المصوَّرة والموسوعات العلمية، كما أنَّ كتب الناشئة طويلة؛ ففي الغرب يلتهم المراهقون الروايات التي تتعدَّى صفحاتها المائتين، وهذه تمثِّل مُجازفة مالية للناشر الذي لا يرغب في دَفْع تكاليف عالية للمترجِم، مقابل ترجمة رواية للناشئة لا يعلم مدى قَبولها، كما أنَّ هناك شِبه إجماعٍ على عزوف المراهقين العرب عن القراءة، بينما أرى أن عزوفَهم عائد لعدم وجود كُتب مُمتعة

ومُشوِّقة تَجذبهم للقراءة، وبالله العصمة والتوفيق.

 

error: Content is protected !!
Scroll to Top